أخر الاخبار

التوظيف الديدكتيكي للصورة في درس التاريخ الأهمية وحدود الاستخدام

مقدمــــــــــــــــــة
 يعتمد الأستاذ دعامات ديدكتيكية تساعده على تسهيل العملية التعليمية-التعلمية بالنسبة للمتعلم وجعلها حية وفعالة، وتمكينه من اكتساب خبرات حسية تجعل تلك العملية واضحة وذات مردودية.
 وقد تزايدت أهمية الدعامات الديدكتيكية ومكانتها في تدريس الاجتماعيات بشكل عام والتاريخ بشكل خاص، لاسيما بعد تطبيق المنهاج الجديد باعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل لإصلاح العملية التعليمية- التعلمية، مما حتم تطوير أساليب الاستفادة من المعينات الديدكتيكية والعمل على توظيف التكنولوجيا الحديثة للإعلام والتواصل لتدليل الصعوبات التي يمكن أن تترتب عن تنمية بعض الكفايات المتوخاة من المنهاج الجديد.
ويمكن تقسيم هذه الوسائل التعليمية إلى وسائل سمعية، وأخرى بصرية، أو كلاهما معا بالإضافة إلى وسائل تعليمية مستوحاة من البيئة المحيطة بالمدرس- مشاهد طبيعية- وأخرى يقوم هذا الأخير أو جهات أخرى بصنعها.
 ومن بين هذه المعينات الديدكتيكية، الصورة التي أصبحت إحدى الدعامات الأساسية لتدريس التاريخ، لاسيما بعد أن ازدادت أهميتها بفضل استفادتها من التقنية الرقمية.
 وبالنظر إلى هذه الأهمية التي أصبحت تكتسيها الصورة في هذا السياق، تأتي هذه الورقة للإجابة على التساؤلات التالية:
  •  ما المقصود بالصورة وما هي أنواعها؟ وما هو السياق التاريخي الذي ظهرت فيه؟
  •  ما هي مكانتها في حقل التاريخ، والأهمية الديدكتيكية والقيمة المضافة لاستعمالها في درس التاريخ؟
  •  ما هي المبادئ العامة والشروط أو الضوابط والمواصفات التي ينبغي أن تتوفر فيها لتوظيفها ديدكتيكيا؟
  •  ما هي سبل وآليات توظيفها الديدكتيكي ومعيقاته؟

تحديد مفهوم الصورة وأنواعها وسياقها:

تعريف الصورة
 الصورة لغة هي الشكل، وتعني أيضا النوع، والصفة، والوجه، وصورة الشيء هي خياله في الذهن.
 والصورة اصطلاحا هي نسخة مطابقة للأصل، وصورة مصغرة لمنظر معين أو إنسان أو بناء... وهي نوعان: صورة شخصية وتتم عن طريق التصوير الشمسي، وصورة رئيسية تتم بالريشة على قماش أو خشب، أي لوحة فنية، إضافة إلى الصور الفضائية والجوية التي توظف لأغراض ما إما عسكرية، أو اقتصادية، أو مناخية... .
 وفي المجال السيكولوجي، الصورة هي نشاط أو فاعلية ذهنية تعمل على استحضار خصائص وصفات موضوع في الذهن بشكل يدركه بها وينظمه ويتصوره جهاز عقلي بشري.
وفي الميدان التعليمي، الصورة هي وسيلة تعليمية مساعدة، ووسيط يتم من خلاله تحقيق وظيفة تعليمية معينة، كالعرض، والوصف، والشرح، والتحليل والبرهنة...، وهي انعكاس جسم على مساحة ملساء، وتشكل الاستعارة التي نعتمد عليها في تحويل فكرة معينة وجعلها أكثر فهما وإدراكا.

أنواعها:
تنقسم الصورة إلى عدة مجموعات نذكر منها:
الصور الثابتة كالصور الفوتوغرافية والرسومات، والإشهار، والملصقات...
الأفلام الثابتة الملونة أو ذات اللونين الأبيض والأسود.
الشرائح الشفافة القابلة للعرض ضوئيا.
الصور المتحركة: السينما والأفلام والرسوم المتحركة، والمؤثرات الخاصة....
وهناك من يصنفها إلى شفافات، وصور فوتوغرافية، ولوحات زيتية، وصور جوية التقطت إما بواسطة الطائرات أو الأقمار الاصطناعية.
وتختلف هذه الصور حسب طبيعتها، فهي إما تاريخية تؤرخ لحدث تاريخي معين، أو لشخصية معينة، أدبية، علمية، سياسية، عسكرية...، أو صور جغرافية، وهي أنواع حسب فروعها ومجالاتها المختلفة، فهي إما طبيعية، أو سكانية وعمرانية، أو اقتصادية متعددة الأشكال، تعكس أنشطة اقتصادية مختلفة، وزراعية أو صناعية أو تجارية، أو صور المواصلات بأنواعها المختلفة، من مطارات وسكك حديدية... .

سياقها:
لفهم الصورة، ينبغي إدراك أن لديها تاريخ خاص، وقد انكب بعض المؤرخين على دراسة هذا الأمر، وقاموا بحفريات دقيقة لها، وتمكنوا من التوصل إلى أنها مرت من ثورات مختلفة:
الثورة الأولى كمية، وقد جاءت بعد تطور وسائل الاتصال والبحث الإذاعي واستنساخ الصورة وتجسد النهضة تكوين الصورة مع اختراع الطباعة الذي كان وراء بدايات نشر المعرفة على نطاق واسع.
أما القرن التاسع عشر، فتميز بانتشار الصورة وظهور عصر الورق سنة 1850.
وفي سنة 1920، ظهرت السينما واللقطات الفوتوغرافية، وتطورت آلات الطباعة فأصبحت الصورة المتحركة شقيقة نظيرتها الثابتة لتعكس الواقع بدقة متناهية.
وفي سنة 1945، ظهر الجانب الوثائقي للصورة والتلفاز بالمنازل، وتطور المجتمع الاستهلاكي سنة 1950، والعصر الرقمي والإنترنت سنة 2000.
أما الثورة الثانية، فكانت نوعية تطور خلالها جوهر الصورة بشكل تدريجي، ومر التاريخ عبر لحظات مهمة، حيث انتقلت الصورة من مرحلة "جمالية الوظيفي" إلى اختراع الصورة بدون هدف وظيفي للنهضة.
ولم يعد المجال الديني هو الموضوع الوحيد الذي يستحق أن يمثل لأن الحقول الفنية انفتحت على مواضيع أخرى، كالأسطورة، والسياسة، والصورة الزيتية، ومشاهد من الحياة اليومية وأصبح البعد الشمولي للفن يغري جميع مجالات الإنتاج الجمالي، وأدمج الباحثون والمؤرخون الصورة ضمن مجالهم الدراسي ففتحوا بذلك أرشيفات جديدة، واهتموا بالتاريخ المرئي.
 وثورة ثالثة، همت أجهزة الاستقبال، وتميزت بالتداول العالمي لتدفق المعلومات والتحقق المحفوف بالمخاطر من المعلومات والمصادر، وتحول متلقي الإرسال إلى ناقل للمعلومة، وقد أذهلت السرعة التي تربط تدفق المعلومات والصور المتلقين.
ولمواجهة هذه الطفرة البصرية، أصبح المؤرخ يحث على التكوين البيداغوجي في قراءة الصورة بشكل شمولي ومتداخل من الناحية المنهجية.
وفي عصرنا الحالي، فإن خطوط الثورة الرابعة للصورة ترسم تدريجيا مع ظهور عصر الرقمنة واحتلال الصورة لمكانة هامة جدا في مجتمعاتنا من حيث تأثيرها وانتشارها.

مكانة الصورة في مجال التاريخ والأهمية الديدكتيكية والقيمة المضافة لاستعمالها في درس التاريخ:

مكانتها في الحقل التاريخي و فوائدها:
 أصبحت الصورة منذ سنوات السبعينيات من القرن الماضي مصدرا تاريخيا كما هو شأن الوثيقة المكتوبة، حيث انتقلت من "رسم توضيحي" إلى "موضوع للدراسة"، كما أصبحت تحتل مكانة مهمة في درس التاريخ بعد ما كان المؤرخون يفضلون بالدرجة الأولى النص المكتوب، لكونها تساعد على توضيح وفهم المفاهيم التاريخية والفنية، وبناء ثقافة لها لدى المتعلم، وهي تفضل التحدث والوصف والتشبيه وتبرز المعاني والأفكار والعلاقات التي لا يسهل إبرازها من خلال الوصف والكلام، وهي تمكن من رؤية أمور لم يكن من السهل رؤيتها لصعوبة الحصول عليها أو لأنها كبيرة الحجم أو نادرة، وهي تفسح المجال بشكل جيد لتعلمات مدرسية، حيث تسمح بتقديم آراء وتبادلها ومناقشتها، وهي تكسب الأفكار التي يدرسها المتعلمون معان، وتجعل المعلومات حية بالنسبة لهم، والتدريس أقــــــوى أثرا عليهم لما تثيره من ميولات لديهم، وتدفعهم إلى استيضاح ما يرونه، وفي هذه الحالة يمكن للمدرس الكفء والمتمكن من تخصصه أن يضيف معلومات جديدة وإضافية لما أعده للدرس.
 وتتخطى الصورة ولاسيما الفيلم الوثائقي البعد الزمني والمكاني، فيقرب الماضي والبعيد للمتعلمين ويسهل عليهم فهم ما قد يصعب عليهم فهمه من مظاهر الحياة في العصور القديمة أو في الأماكن البعيدة عنهم التي تختلف فيها الحياة عن التي يحيونها وبما أن الفيلم الوثائقي يعرض حوادث متسلسلة متحركة فهو يساعد المتعلمين على فهم فكرة التطور/الكرونولوجيا، كما يثير ميلهم ويحفزهم على الدراسة والعمل، ولا أدل على ما له من أثر على نفوسهم، ما نلاحظه لديهم من ميل وتحمس لمتابعته، وما يدور بينهم من
نقاش حوله بعد مشاهدته. ومن إيجابيات الصورة – والفيلم الوثائقي- توفير الوقت فالحصول على المعلومات بالطريقة اللفظية أو القراءة يستغرق وقتا أطـول مـن الوقت الذي يمكن الحصول فيه على نفس المعطيات بعرض فيلم، هذا بالإضافة إلى وضوح وسهولة التعلم، ومساعدة المتعلمين على فهم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بشكل مترابط واتخاذ مواقف نحوها.

القيمة المضافة لاستعمالها في درس التاريخ:
حسب بعض الأبحاث والدراسات، فإن التعلم من خلال الصور يساعد على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة أطول منه من خلال التعلم اللفظي الذي لا يبقي على المعلومات إلا لمدة أقصر، كما أن الصور تشحذ أذهان المتعلمين وتمكنهم من تقبل المادة الدراسية والإقبال عليها، وتجعلهم أكثر استعدادا للتعلم وتثير مزيدا من التشويق والإثارة لديهم.
وهي تجذب انتباه المتعلمين وتستأثر باهتمامهم، وهذه الخصائص من أهم الخطوات المؤدية إلى التعلم.
وهي تساعد المتعلم على تفسير وتذكر المعلومات المكتوبة التي ترافقها، وتــــــزداد أهميتها كلما كانت وثيقة الصلة باهتمامات المتعلم وميولاته.
وهي تمكن من تركز الانتباه والإدراك لدى المتعلم، وتجعل التعلم أكثر فاعلية وأقل رتابة.
وتقدم مدلولات حسية تغني عن كثرة الكلام وكتابة العديد من السطور.
وتسمح بتنمية مهارات الملاحظة، والتركيز، والتحليل، والتقويم، حيث يمكن أن تصبح الصورة والفيلم مثلا سندا قادرا على المساهمة في تقويم المعارف التاريخية المكتسبة كما أن قراءات الموارد والتعليقات المواكبة لها من شأنها أن تساعد على تصميم تعليم وتعلم متجدد يشغل موارد الفن السابع ويمكن أيضا تقديم أفلام حول مواضيع مختارة واقتراحها كورشات عمل بيداغوجية.
وهي بذلك تساعد على فهم التحولات الاجتماعية، والسلوكات الجماعية، والقيم والرموز، واللاوعي الجماعي، والممارسات، والعادات والتقاليد.

المبادئ العامة والشروط أو الضوابط والمواصفات التي ينبغي أن تتوفر لتوظيفها ديدكتيكيا:

المبادئ العامة والشروط التي ينبغي أن تتوفر لتوظيفها ديدكتيكيا:
يقتضي التوظيف الديدكتيكي للصورة في درس التاريخ، توفر مجموعة من الشروط والمبادئ العامة نذكر منها:
  • إعطاء الأولوية للجوانب المتعلقة بالاستعمال التربوي على حساب المميزات التكنولوجية؛
  • ضرورة توفير بنية مادية (حواسيب، شبكة اتصال...) ذات مستوى مقبول من الجودة؛
  • ضمان تكوين أساسي ملائم ومستمر للمدرس تقنيا وبيداغوجيا؛
  • نشر ثقافة تكنولوجية داخل الفضاءات التعليمية؛
  • ينبغي القيام بدراسات للتأكد من أن إدماج التكنولوجيا الحديثة ومنها الصورة يساهم في تحسن التعلم ومردودية المدرسة، وحصول إدماج كفايات يفترض تطويرها لدى المتعلم؛
  • توفير برامج ومناهج تتماشى وتتلاءم مع الاستعمالات الناجعة للوسائط التكنولوجية ومنها الصورة.

الضوابط والمواصفات التي ينبغي أن تتوفر فيها أثناء توظيفها ديدكتيكيا:
يتطلب توظيفها الديدكتيكي مجموعة من الضوابط والمواصفات نذكر منها:
  • تناسب محتواها مع الهدف التعليمي والوضعية التعليمية- التعلمية التي تستغل فيها والمستوى الفكري والعمري للمتعلمين؛
  • احترام الدقة العلمية والخصائص الفنية في التصوير، كالألوان، والتأطير وغيرها؛
  • تميز معطياتها بشكل يجعلها معبرة وصالحة لإثارة الأسئلة وتنشيط التفاعلات الفصلية؛
  • توفرها على المعلومات المساعدة على التحليل، كتاريخ التقاطها، وعنوانها، ومكان التقاطها وزاوية الالتقاط؛
  • قدرتها على إعطاء فكرة واضحة عن أحجام الأشياء وموضوعها، وتوفرها على تفاصيل في حدود كافية لا ينجم عنها تشتيت انتباه المتعلمين؛
  • مناسبة حجمها للملاحظة الجماعية، أو توفيرها بالعدد الكافي للملاحظة الفردية أو في إطار جماعات صغيرة؛
  • أن تكون واضحة وجذابة قدر الإمكان، وتتناسب مع الدرس؛
  • أن تكون مذيلة ببعض البيانات الموجزة للتوضيح؛
  • أن تدرس بدقة قبل عرضها؛
  • إعداد بعض الأسئلة التي تعتمد أساسا لمناقشتها مع المتعلمين؛
  • التأكد من أن جميع المتعلمين قادرين على رؤيتها بوضوح؛
  • منح المتعلمين الوقت الكافي لفهمها، مع تجنب عرض صور كثيرة في وقت واحد؛
  • عرض الصور في الوقت المناسب؛
  • تجنب عرض الصور في حالة شعور المتعلمين بالتعب، فهي وسيلة تعليمية وليست وسيلة ترويح عن النفس.
أمام هذه الأهمية الديدكتيكية التي أصبحت الصورة تكتسيها في بناء درس التاريخ، والشروط والضوابط التي ينبغي أن تتوفر فيها لتوظيفها ديدكتيكيا، يمكن أن نتساءل حول الممارسات التعليمية التي تواكب توظيفها الديدكتيكي والصعوبات المطروحة.

سبل و آليات توظيفها الديدكتيكي ومعيقاته:

في البداية لابد من الإشارة إلى أن استخدام الصورة كدعامة ديدكتيكية يمر من الخطوات المنهجية التالية:
الإعداد القبلي للصورة ودمجها في التخطيط العام للدرس، ثم تحضير ظروف وشروط عرضها أثناء تنفيذه، وجعل المتعلمين جاهزين للتعامل معها ماديا ونفسيا.

قراءتها
وفيها تتم الملاحظة العملية الدقيقة لها، ووصف معطياتها، ثم الانتقال إلى التحليل والتفسير والتأويل عن طريق المقارنة والمقابلة وضبط العلاقات والتفاعلات والروابط القائمة بيــــــــــن عناصرها.
 وبخصوص هذه النقطة، يمكن القول أن الصورة تستحق قراءة متعددة التخصصات ومتداخلة منهجيا، لأنها ظاهرة اجتماعية لها رموزها الخاصة بها ومعاييرها، وتفتح العديد من الآفاق، وهي ليست نتاجا للصدفة، وتتطلب حدا أدنى من المتطلبات الأساسية من أجل قراءتها، ومن منظور تربوي من الأنسب تسليح أعين المتعلم وغرس ثقافة الصورة لديه وتدريبه وتكوينه على قراءتها قراءة تاريخية، بحيث ينبغي تحويلها إلى أداة للحوار مع التاريخ، وجعل المتعلمين عناصر فاعلة لتحليله.
 وتتوفر الصورة على مستويات متعددة للقراءة، وكما يقول G.JACQUINOT "تحتفظ الصورة بعلاقات معقدة مع الواقع، و ما هو ثقافي، و مع العادة، وبصفة عامة مع أساطير المخيال الفردي والاجتماعي". وهناك طرق مختلفة لقراءة الصورة، إذ يمكن أن تكون قراءة للألوان، والأشكال والضوء والرموز (الأيقونات، الرموز...)، أو قراءة تحليلية، أو تاريخية (تسلسل زمني/ كرونولوجيا السياق)، أو تقنية (دعامة، أبعاد، أدوات مستعملة) أو سيميولوجية ذات دلالات نفسية واجتماعية (علاقة الصورة بالسياق الاجتماعي).
 ويسمح تحليل الصورة بفهم التحولات الاجتماعية والسلوكات الجماعية، والقيم والرموز، واللاوعي الجماعي، والممارسات والعادات الثقافية ، وبما أن الصورة تشكل نمطا للتواصل اللافوري والمبهم، فإن تحليلها ينبغي أن يتم وفق منهجية صارمة ويتطلب طريقة خاصة مختلفة عن طريقة تحليل النص التاريخي.
 ويتطلب جعل ثقافة الصورة لدى المتعلمين مكسبا بيداغوجيا، تفكيرا قبليا في أشكال تلك الثقافة والممارسات الخاصة المرتبطة بتوظيف الصورة في العملية التعليمية-التعلمية.
 ينبغي جعل المتعلمين يواجهون تعقد الصورة، وتعدد مدلولها وعناصرها الخفية ويدركون أن تحليلها ينبني على ما هو مرئي وما هو مباشر، لذلك فإن البيداغوجيين يدعون إلى اعتماد نهج بناء مفاده جعل المتعلمين في وضعية مشكلة ليدركوا بأنفسهم أن الصورة بناء فكريا، وعلى المتعلم أن يصبح فاعلا في معرفته الشخصية، ولن يكون رد فعل جماعة الفصل متوافقا عليه تجاه الصورة/ الوثيقة الإيكونوغرافية، إلا إذا كان المتعلمون متمكنين من مكتسباتهم القبلية معرفة وخبرة، ولاسيما إذا تعلق الأمر بتأويلها.
وتجدر الإشارة إلى أن الصورة من الناحية الديدكتيكية والبيداغوجية لها خصوصيات، ففي مجال التاريخ تعد وثيقة، حيث لا تعتبر تمثلا جماليا وإبداعيا فرديا وينبغي على التاريخ أن يستعين بتخصصات أخرى، ومن جهة ثانية، فإن الصورة لها ديدكتيكها الخاص ويتعلق الأمر بتطوير وضعيات تعلمية من شأنها أن تدخل ديدكتيك التخصص وديدكتيك الصورة، وتتيح هذه الأخيرة - كما سبقت الإشارة إلى ذلك - إمكانيـــــات تأويل متعددة مقارنة مع النص التاريخي، وهي لا دليل لها، وكل فرد يراها ليس فحسب من خلال الوسط السوسيو-ثقافي الذي ينتمي إليه، ولكن حسب تجاربه الشخصية الحساسة والعاطفية وبذلك فإن تحليلها يتطلب إعدادا أطول من التعليق على النص التاريخي المكتوب، ووقتا أكثر مما هو متوقع كما ينبغي الإلمام ما أمكن بمحتواها الرمزي العميق والضخم للإجابة على مختلف الأسئلة التي يمكن أن يطرحها المتعلمون، وينبغي الحذر من تقديمها كانعكاس للواقع لأنها في مجال التعليم تقدم في الغالب على أنها انعكاس للعالم وأنها تستعمل لتوضيح خطاب الأستاذ، في حين أنها تتوفر على مستويات متعددة للقراءة كما سبق أن رأينا.
 ولتوظيف الصورة في بناء الدرس، لابد من الأخذ بعين الاعتبار أنها تشكل "إخراجا" للواقع أو المخيال، مع عدم إغفال أنها مصدر للمعلومات أو المعارف، وينبغي أيضا الوعي بأنها تشكل خطابا يحدد الخصوصيات تاريخيا واجتماعيا، كما ينبغي تعليـــــــــم المتعلمين بأن يروا في كل صورة ليس فحسب العالم ولكن خطابا ونظرة حوله، ولا ينبغي الاهتمام خصوصا بمدلولها على حساب باقي الوظائف الأخرى، لاسيما منها الجمالية والرمزية التي هي أكثر أهمية بالنسبة لبعض أنواع الصور الثابتة كاللوحات مثلا ، وعلى أستاذ التاريخ أن يدمج الصورة التي لها أبعاد خاصة لإثراء وإغناء تحليله، ويأخذ بعين الاعتبار بعدها الجمالي والمادي، فيتساءل حول أسلوبها، والتقنية والمواد المستعملة فيها وبعدها الرمزي ودلالاتها، ويوفق بين مقاربات المؤرخ والسيميولوجي ومؤرخ الفن.
وتتم طريقة تحليل الصورة لاسيما منها الثابتة عبر ثلاث مراحل كبرى هي:
مرحلة التقديم: حيث يقدم المنتوج في حد ذاته: تاريخه، عنوانه، نوع الصورة (لوحة، رسوم متحركة، رسم...)، ثم التوقف على فترة إنتاجها، والإشارة إلى سياقها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والثقافي.
مرحلة الوصف: وهي ضرورية لفهم الصورة، حيث يتم وصف أسلوبها وتنظيمها العام مع وصف الألوان، والموضوع الذي تمثله ومختلف العناصر المكونة لها، مع البحث عن الرموز وتقديم بعض التدقيقات والتوضيحات حول هذا المظهر والمظهر الخاص بالسياق التاريخي.
مرحلة التأويل: وترتكز على التقويم والوصف ومعارف المحلل لإعطاء مدلول ومفهوم للصورة أي استخراج أفكارها الأساسية.
 ورغم أهمية الصورة وما أصبحت تكتسيه من أهمية ديدكتيكية في بناء درس التاريخ فلابد من الإشارة إلى أنها يمكن أن تتحول إلى فخ دلالي إذا ما تم توظيفها وتحليلها وفهمها بشكل سيء مما يؤدي إلى تفسيرات مغلوطة وقراءات أحادية للتاريخ ومغالاة في بعض المظاهر، فهي تمزج في آن واحد بين سلطة تصويرية كبيرة ورمزية قوية والبحث عن معنى، وأحيانا من الصعب فهمها من خلال القراءة الأولى.
 وفي الواقع قد يكون لها بعد مخفي ضمني لا يتجاوزنا في البداية ومن الممكن تحويلها تماما من خلال إدخال تعديلات عليها من حيث المعنى، وتجميل الواقع، وتغيير الأحداث التاريخية، وتضليل القارئ، وجعل بعض التفاصيل مخفية، وإضافة وإزالة أخرى...، فهي إذن سيف ذو حدين، تحكي الحقيقة لأنها ليست سوى تمثلا للواقع، وهي أداة لها حدود، فهي ليست سوى وثيقة ومصدرا من بين المصادر الأخرى، وتتطلب مسافة نقدية للتحليل ومصاحبة بيداغوجية على المستوى المدرسي، ومحاولة قراءتها والمساهمة في المعارف التاريخية لفترة زمنية معينة.
المتابعة والتطبيق: أثناء الانتهاء من عرض الصورة، يوضع المتعلمون في مواقف تعلمية يطبقون من خلالها المفاهيم والقيم التي استخلصوها منها عن طريق أنشطة مثل المناقشة والتمارين الكتابية.
التقويم: وينصب على مدى تحقق الأهداف المتوخاة من استخدام الصورة بالشكل الذي يراه الأستاذ مناسبا.

خلاصــــــــــــــــــة
 من خلال ما سبق، يتضح أن أهمية الدعامات الديدكتيكية ومكانتها تزايدت في تدريس الاجتماعيات بشكل عام والتاريخ بشكل خاص بعد تطبيق المنهاج الجديد باعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل لإصلاح العملية التعليمية - التعلمية، ومن بين هذه المعينات الديدكتيكية، الصورة التي أصبحت إحدى الدعامات الأساسية لتدريس التاريخ بفضل استفادتها من التقنية الرقمية.
 وفي هذا السياق، حددنا مفهوم الصورة، وأنواعها، وسياقها التاريخي الذي ظهرت فيه، ثم بينا مكانتها في مجال التاريخ، والأهمية الديدكتيكية والقيمة المضافة لاستعمالها في درس التاريخ، بعد ذلك أبرزنا المبادئ العامة والشروط التي ينبغي أن تتوفر لتوظيفها ديدكتيكيا.
 وأخيرا، تناولنا بالدراسة سبل وآليات توظيفها الديدكتيكي ومعيقاته.
تعليقات