أخر الاخبار

نظرية ابن خلدون في قيام وسقوط الدول

تقديم عام

لم تحتل قضية من قضايا الفكر الخلدوني خاصة، والفكر التاريخي الإسلامي عامة، المكانة التي احتلتها نظرية ابن خلدون في العصبية، ودورها في قيام الدول وسقوطها. وحول هذه القضية (العصبية والدولة) قدم (محمد عابد الجابري) أطروحة في الفلسفة، وأمضى عشر سنوات في البحث ساعيا للوصول إلى معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، بحيث كانت العصبية هي المفتاح الذي حل به ابن خلدون جميع المشكلات التي طرحها سير أحداث التاريخ الإسلامي إلى عهده.

ومن هنا سيكون حديثنا بتفصيل مختصر حول هذه النظرية؛ وذلك بالاجابة على الإشكالية التالية:

  • كيف كانت تتقوى العصبية بالدول الإسلامية وتضعف خلال عهد عبد الرحمان ابن خلدون؟

وقبل الإجابة بالتفصيل على هذا الإشكال سنعطي في البداية نبذة مختصرة عن ابن خلدون للتعرف على مساره الفكري الذي كان عاملا في إفراز هذه النظرية، وكذلك سنقدم تعريفا للنظرية كمفهوم اصطلاحي وذلك حسب معناها في سياق النظرية الخلدونية.

نبذة عن ابن خلدون

هو عبد الرحمان بن محمد بن خلدون ولي الدين، ولد في تونس عام 1332 م/ 732 هـ وتوفي في مصر عام 1406م/ 808هـ يعد من أبرز رواد الحضارة الإسلامية كان محيطا بمختلف النظريات العلمية التي عرفت عن العلماء والمفكرين اليونانيين والمسلمين. كما تقلد العديد من المناصب راكم خلالها تجارب مهمة ليتجه بعد ذلك إلى الاهتمام بالبحث في التاريخ وحاول إيجاد القانون الذي يسيره عبر الإجابة على الإشكالات التالية:

  • لماذا تصعد أمم وتسقط أمم أخر؟
  • وما الذي يدفع إلى هذا التغيير؟

في إطار الإجابة على هذه الإشكالات أفرز لنا ماسمي بالنظرية الخلدونية. من أهم ما كتبه نجد كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.

مفهوم النظرية

تعرف النظرية لغة بأنها مصطلح مشتق من الكلمة اليونانية نظر معناها التأمل أثناء التفكير بشيء ما، أما اصطلاحا فتعني قواعد ومبادئ تستخدم لوصف شيء ما سواء كان الشيء علميا أو فلسفيا أو معرفيا أو أدبيا. وهي أيضا مجموعة من المفاهيم والتعريفات والافتراضات التي تعطينا نظرة منظمة لظاهرة ما عن طريق تجديد العلاقات المختلفة بين المتغيرات الخاصة بتلك الظاهرة.

النظرية الخلدونية

النظرية الخلدونية كما قال العروي هي نتيجة لأحداث القرن 8هـ و 14م عمل فيها ابن خلدون على تحليل الآليات التي كانت تنظم بها الدول الإسلامية التي كانت تعرف استقرار في الحضيض أنذاك مع تحديد الأسباب المؤدية إلى هذا التراجع بعد أن كانت في بادئ الأمر سببا في تقدمها. ولا يمكن فهم هذه النظرية في معزل عن المفاهيم الخلدونية (القبلية - العصبية - الحضارة - الجند - المال - الدين …).

قال محمد عابر الجابري إن ابن خلدون اتخد من العصبية المفتاح الوحيد لتفسير هذه الظاهرة التي طرحها سير أحداث التاريخ الإسلامي في عهده بحيث أن هذه العصبية كانت تشكل عامل قوة وضعف في قيام وسقوط الدول الإسلامية، وكل هذا دار في إطار ما تمت تسميته بالدورة العصبية، أي سقوط دولة بسبب أزمة اقتصادية وقيام دولة أخرى داخل مجتمع عصبي متكتل حول تحقيق منفعة مشتركة التي يتداخل فيها ما هو اقتصادي مع ما هو تنظيمي اجتماعي وسياسي إلى جانب ما هو ديني. وبالتالي فهذه العصبية كانت تتقوى وتضعف بمجموعة من العناصر منها، الجند، المال، الدين. وقبل التفصيل في كل عنصر على حدى سنفصل في بادئ ذي بدء في العصبية.

العصبية القبلية لدى ابن خلدون

يمكن تلخيصها في كلمة التحام، وتعرف بأنها صلة رحم طبيعية في البشر يتم عبرها الاتحاد ويقول محمد عابد الجابري على أن العصبية رغم أنها تبدو في ظاهرها قائمة على أسس معنوية النسب وصلة الرحم، إلا أن في عمقها تقوم على أسس اقتصادية في إطار الكفاح من أجل البقاء كما هو حال عصبية البدو الرحل مع عصبية البدو المستقرين في السهول، وصراعهم الدائم حول المراعي، وتحصل بذلك الغلبة للعصبية التي تكون أكثر التحاما، في حين تسقط التي كانت منفكة وقامت باستبدال للمؤسسين لها بآخرين لا ينتمون لنفس العصبية، وهذا كان من بين الأسباب التي أدت إلى سقوط أعظم الدول الإسلامية.

العناصر التي تتقوى وتضعف بها هذه العصبية حسب ما ذكر إبن خلدون هي:

الجند: كان يشكل الجند عنصر أساسي في تقوية العصبية خاصة في بداية التحامها فيدفع بهذه العصبية إلى التوسع ومد حدودها ومقاومة معارضيها والدفاع عن وحدتها ويقر ابن خلدون على أن الحكم يبنى على أساسين لابد منهما: فالأول الشوكة والعصبية، وهو المعبر عنه بالجند والثاني المال الذي هو قوام الجند ويكون ذلك بتمويله بما يحتاجه. يصبح الجند عامل ضعف عندما تصبح للحاكم رغبة في الاستبداد بالحكم، فيتجه لتغيير هذا الجند الذي يخالف ما يرغب الوصول إليه فالبتالي يصبح صراع داخلي بين الحاكم ومن أسسوا معه العصبية فتبدأ بالتالي العصبية بالتفكك.

المال: يعتبر ابن خلدون المال قوة أساسية في تسيير الدولة فبالمال تنتقل الدولة من البداوة إلى الحضارة، وكما سبقت الإشارة بالمال يتحرك الجند عبر تحفيزه بالأعطيات لضمان إخلاصه في تقوية الدولة، يصبح هذا العنصر عامل ضعف عندما تقوم الدولة بصرفه بدل استثماره فتتزايد الضرائب المستخلصة من الفلاحين والصناع والتجار وتتراجع المداخيل فتنشأ أزمة اقتصادية تؤدي إلى خلق مشاكل اجتماعية تنعكس على ماهو سياسي وبالتالي تنحل العصبية.

الدين: اعتبر ابن خلدون الدين عامل موحد للعصبية ومهذب لها أخرجها من مستوى العدوانية إلى مستوى حضاري منفتح، كما كان  الأمر في مرحلة الفتوحات الإسلامية(حسب تعبيره)، ولكن الدين أصبح عامل ضعف عندما استبدلت مكونات العصبية الداخلية بعنصر خارجي تفككت به الوحدة الدينية وانعكست على ما هو سياسي.

خلاصة:

نجمل ما قلناه في أن النظرية الخلدونية قامت بدراسة مجتمعات القرن 8هـ/ 14م خاصة المجتمعات الإسلامية منها، وذلك من خلال تحديد الأسباب التي أدت إلى تراجعها بعدما وصلت لمراحل كبيرة من التقدم، ولم يكن ذلك ممكنا إلا بتوظيف منهج استقرائي لفهم هذه النظرية والذي تم من خلاله تحديد الآليات المؤدية إلى هذا التراجع كما سبق التطرق إليها.


المراجع:

  • محمد عابد الجابري فكر ابن خلدون العصبية والدولة معالم النظرية الخلدونية في التاريخ الإسلامي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة السادسة بيروت 1944 م؛
  • عبد الله العروي مجمل تاريخ المغرب المركز الثقافي العربي الطبعة الثانية 2000؛
  • موقع إسلام ويب التأصيل الإسلامي لنظريات ابن خلدون 2022.

تعليقات