مقدمة
تُعد سوسيولوجيا التربية أو ما يُعرف بـ سوسيولوجيا المدرسة فرعًا مهمًا من فروع علم الاجتماع، يركّز على دراسة الظاهرة التربوية من منظور اجتماعي، بخلاف سيكولوجيا التربية التي تنظر إلى العملية التعليمية من زاوية نفسية أو فردية، وتركّز على مواضيع مثل النمو، والتعلّم، والقدرات العقلية، والذكاء، والذاكرة.
تهتم سوسيولوجيا التربية بدراسة الأنظمة التعليمية، والعلاقات الاجتماعية داخل المدرسة والأسرة، وأدوار المؤسسة التربوية في عملية الاندماج والتكيّف والتغيير الاجتماعي، كما تبحث في أسباب الفشل الدراسي، وتكافؤ الفرص، ودمقرطة التعليم.
مفهوم السوسيولوجيا (علم الاجتماع)
يتكوّن مصطلح السوسيولوجيا من كلمتين: Socius باللاتينية وتعني "المجتمع"، وLogos باليونانية وتعني "العلم" أو "المعرفة".
وعليه، فالسوسيولوجيا هي علم المجتمع أو دراسة الظواهر الاجتماعية في ضوء منهج علمي يهدف إلى فهم العلاقات البشرية والتنظيمات التي تحكم حياة الناس.
السياق التاريخي لظهور علم الاجتماع
تعود جذور علم الاجتماع إلى العالم ابن خلدون، الذي وضع أسس هذا العلم في القرن الثامن الهجري من خلال كتابه المقدمة، حيث أسّس لما سماه علم العمران البشري.
بعد نحو ستة قرون، ظهر علم الاجتماع الحديث في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، على يد أوغست كونت الذي استخدم لأول مرة مصطلح علم الاجتماع سنة 1830. لاحقًا، أسهم العالم الفرنسي إميل دوركايم في ترسيخ استقلال هذا العلم عن الفلسفة من خلال كتابه قواعد المنهج في علم الاجتماع الصادر سنة 1895.
وظيفة علم الاجتماع
يهدف علم الاجتماع إلى دراسة المجتمع الإنساني بمختلف تنظيماته وجماعاته ومؤسساته، لفهم القوانين التي تحكم سلوك الأفراد داخلها. وإذا كان علم النفس يهتم بسلوك الفرد، فإن علم الاجتماع يدرس سلوك الجماعات والظواهر الاجتماعية.
كما يوجد فرع وسيط بينهما هو علم النفس الاجتماعي، الذي يهتم بدراسة التفاعلات داخل الجماعات الصغيرة، سواء كانت إيجابية أم سلبية.
سوسيولوجيا المدرسة: المفهوم والنشأة
تعريف سوسيولوجيا المدرسة
تُعتبر سوسيولوجيا المدرسة فرعًا أساسيًا من فروع سوسيولوجيا التربية، وتهتم بدراسة الظواهر التربوية داخل المؤسسات التعليمية من منظور اجتماعي. تركّز على العلاقات والتفاعلات التي تجري داخل الوسط المدرسي، سواء بين التلاميذ أنفسهم أو بينهم وبين الأساتذة والإدارة، كما تدرس أدوار المدرسة في التنشئة الاجتماعية، وإعادة إنتاج القيم والمعايير المجتمعية.
تهتم سوسيولوجيا المدرسة أيضًا بعدد من الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالمجال التربوي مثل: النجاح والإخفاق الدراسي، الفوارق الاجتماعية والطبقية، السلطة المدرسية، ديناميكيات الجماعات داخل الفصول، الشراكة التربوية والتوجيه المهني، وديمقراطية التعليم وتكافؤ الفرص.
السياق التاريخي لظهور سوسيولوجيا المدرسة
ظهرت سوسيولوجيا المدرسة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع مجموعة من المفكرين والباحثين.
من أبرز هؤلاء الرواد: جون ديوي في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال كتابه المدرسة والمجتمع سنة 1899، وإميل دوركايم في فرنسا، الذي قدم دروسًا في التربية والأخلاق بين 1902 و1903.
شهدت سوسيولوجيا المدرسة في منتصف القرن العشرين ازدهارًا علميًا، خاصة بفضل أعمال مفكرين فرنسيين مثل: بيير بورديو، كلود باسرون، ريمون بودون.
تطور المدرسة المغربية ومراحلها التاريخية
المرحلة الأولى: المدارس العتيقة والمدرسة الاستعمارية (1912 – 1956)
خلال فترة الحماية الفرنسية، كان التعليم ذا طابع نخبوي ومحدود، حيث اقتصرت المدارس الحديثة على فئة صغيرة من أبناء الأعيان. لم تكن فرنسا تسعى إلى تعميم التعليم، بل أنشأت مدارس خاصة للناطقين بالأمازيغية، فيما سُمّي بـ الظهير البربري سنة 1930. في المقابل، استمر وجود المدارس العتيقة التي كانت تعتمد على التعليم الديني واللغة العربية.
المرحلة الثانية: تأسيس المدرسة الوطنية (1956 – 1979)
بعد الاستقلال سنة 1956، تبنّى المغرب سياسة تعليمية جديدة، حيث وضعت اللجنة الملكية لإصلاح التعليم أربعة مبادئ: التعميم، التوحيد، التعريب، والمغربة، بهدف تحقيق تنمية شاملة للمجتمع المغربي.
المرحلة الثالثة: المذهب التعليمي الجديد
مع ازدياد أعداد المتعلمين، بدأت الدولة تواجه صعوبات مالية وبنيوية، مما اضطرها إلى إعادة النظر في مبدأ التعميم، مع ضبط الخريطة المدرسية وتطوير التعليم الإعدادي والثانوي بما يتلاءم مع الإمكانات الاقتصادية.
المرحلة الرابعة: الأزمات والإصلاحات (من التسعينيات إلى الألفية)
عرف النظام التعليمي المغربي سلسلة من الأزمات التي استدعت إصلاحات متكررة، أبرزها: إصلاح 1985، إصلاح 1994، الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000، والمخطط الاستعجالي 2009–2012.
المرحلة الخامسة: الإصلاحات الحديثة والرؤية الاستراتيجية (2015 – 2030)
أطلقت الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015–2030، بعد تقييم فشل البرامج السابقة، لتعزيز مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، مدرسة الجودة للجميع، ومدرسة الارتقاء بالفرد والمجتمع. كما صدر القانون الإطار رقم 51.17 سنة 2019 لتنظيم المنظومة تربويًا وقانونيًا.
التنشئة المدرسية وأبعادها ووظائفها
مفهوم التنشئة المدرسية
التنشئة المدرسية هي عملية تربوية تهدف إلى إدماج الفرد في المجتمع المدرسي والاجتماعي، من خلال اكتسابه القيم والمعايير والسلوكيات المناسبة، بمزيج من الأبعاد السيكولوجية والاجتماعية والثقافية والإيديولوجية.
مراحل التنشئة الاجتماعية
1. التنشئة الاجتماعية الأولية: الأسرة والمدرسة والأقران.
2. التنشئة الاجتماعية الثانوية: مرحلة النضج الجامعي والحياة العملية.
الجوانب السيكولوجية للتنشئة المدرسية
وظيفة التنشئة الاجتماعية
تهدف إلى تطبيع السلوك الاجتماعي وتعريف الفرد بالمعايير والأنماط والسلوكيات المناسبة لأدواره المختلفة.
وظيفة التربية والتكوين
تمثل المدرسة فضاء لاكتساب المعارف والمهارات، وتطوير شخصية الطالب، مع تعزيز الاستقلال الفكري والأخلاقي، وتنمية مهارات البحث العلمي والإبداع والابتكار.
وظيفة التغيير الاجتماعي
تساهم المدرسة في تغيير المجتمع كليًا أو جزئيًا، وتختلف بحسب توجه المدرسة: تغيير المجتمع، تتأثر بالمجتمع، أو تتغير مع المجتمع.
الوظيفة الإيديولوجية
تعمل المدرسة على إعادة إنتاج النظام الاجتماعي القائم، وحفظ الموروث الثقافي، وتنشئة مواطن صالح يساهم في تنمية المجتمع وتطويره.
خاتمة
تُظهر سوسيولوجيا التربية في المدرسة المغربية أن التعليم عملية اجتماعية متكاملة تساهم في تشكيل شخصية الفرد، وتدعيم القيم، وتكافؤ الفرص، وتحقيق التنمية المجتمعية. عبر المراحل التاريخية، يتضح أن الإصلاحات استجابت للتحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مؤكدة دور المدرسة في إعادة إنتاج المجتمع وتطويره.
