التوظيف الديداكتيكي للخريطة في درس التاريخ الأهمية والصعوبات وبعض الحلول البديلة

مقدمـــــــــــــــة:
يعتمد التعبير في الخطاب التاريخي على عدة وسائل حاملة للمعرفة التاريخية تعرف بوسائل التعبير أو الدعامات الديداكتيكية/الإخبارية التي تمثل قنوات تستعمل في نقل تلك المعرفة إلى المتعلم وهي دعامات ديداكتيكية متنوعة. وحسب التوجيهات التربوية، من بين وسائل التعبير التاريخي التعبير الكرافيكي، الذي يتميز باختزال المعطيات التاريخية وتنظيمها للتعبير عنها بأدوات تواصلية مختلفة منها الخريطة، التي تعد إحدى أدوات هذا الصنف من التعبير -أي الكرافيكي- الذي هو شكل مرئي ومنطقي يساعد على تمرير خطاب ما عن طريق تمثيله في هذه الأداة التي هي الخريطة والتي تعد دعامة أساسية لدرس التاريخ. أما أهمية الخريطة بالنسبة للمتعلم، فتكمن في تمكينه من تنمية قدرته على الملاحظة وحسه النقدي من خلال التمرن على وصف وفهم وتفسير رموزها ومساعدته عل تجسيد المفاهيم المكانية وتوطين الأحداث، وإثارة انتباهه ومساعدته على تخيل المجال وتمثله وتثبيت معلوماته، كما تمكنه من التعامل معها كوثيقة "أصيلة"، وتعلم واكتساب منهجية رسمها، وإخضاعها للتحليل والاستنتاج والتركيب. وبالنظر إلى هذه الأهمية التي تحظى بها الخريطة كأداة ووثيقة تاريخية ضرورية لتنمية مجموعة من الكفايات والقدرات لدى المتعلم، وتحديد وتبسيط كثير من المفاهيم الرئيسية المهيكلة للمضامين.
تروم هذه الورقة الإجابة على الأسئلة التالية:
  • ما مفهوم الخريطة؟
  • ما هي أهميتها ووظائفها في درس التاريخ؟
  • ما هي ضوابط توظيفها الديداكتيكي والخطوات المنهجية لاستثمارها؟
  • وما هي العوائق التي تحول دون استثمارها والحلول البديلة لها؟

مفهوم الخريطة التاريخية وأهميتها ووظائفها في درس التاريخ:

الخريطة من بين الوثائق التاريخية الأساسية وأكثر الدعامات الديداكتيكية الموظفة في درس التاريخ، وهي وسيلة تساعد على تجسيد المفاهيم المكانية، وتوطين الأحداث في المجال الذي وقعت فيه، وتكمن أهميتها بالنسبة للمتعلم في التدرب على قراءتها وإثارة انتباهه، وتنمية مهارة الفهم وتفسير رموزها وطريقة استخدامها، وحضورها أساسي خلال تعلمه، لكونها تساعده على تجسيد المفاهيم المكانية وتوطين الأحداث بشكل مركز ومعقلن، كما تشد اهتمامه وتمكنه من التموضع في الزمان والمكان، وتخيل وتمثل هذا الأخير وتثبيت معلوماته.
ضوابط توظيفها الديداكتيكي والشروط والخطوات المنهجية لاستثمارها في درس التاريخ
يتوقف توظيفها الديداكتيكي على مجموعة من الضوابط والشروط منها:
  • التأكد من اكتساب المتعلمين لدلالات العناصر المساعدة على ملا حظتها وقراءتها وتفسيرها (العنوان، السلم، الاتجاه، المفتاح...)؛
  •  تنمية القدرات والمهارات المستهدفة من توظيفها؛
  • مراعاة تناسبها مع المستوى الإدراكي للمتعلمين ومدى قدرتها على إثارة دافعيتهم للتعلم؛
  • التأكد من صلاحيتها للاستعمال من الناحية التقنية والعلمية وارتباطها بالمجزوءة؛
  • الإعداد القبلي لتوظيفها ضمن الدرس؛
  • توظيفها بشكل محكم كأرضية للتحليل والاستنتاج من خلال طرح أسئلة؛
  • تخصيص قاعة خاصة تتوفر على التجهيزات الضرورية لمواكبة التطورات التقنية الحديثة، وفسح المجال للاستفادة من القاعة المتعددة الوسائط إذا كانت متوفرة بالمؤسسة؛
  • الالتزام بالخطوات المنهجية الأساسية لاستخدامها، المتمثلة في مرحلة الملاحظة والوصف والتفسير، والكشف عن العلاقات بين الظواهر، ثم مرحلة التعميم أي وضع الخلاصات واستنتاج العلاقات وصياغة المبادئ.

ويتطلب استثمارها الديداكتيكي، اعتماد الخطوات المنهجية الآتية:

التعـريــف:
ويتضمن الإجراءات المنهجية التالية:
تقديم الوثيقة من خلال تحديد موضوعها، وزمنها، ومكانها، والتعرف على مقياسها لتقريب دلالات المجال الممثل إلى ذهن المتعلم.
تحليل مضمونها عن طريق قراءة المفتاح وشرح المصطلحات والمفاهيم التاريخية الواردة فيه تبعا لسياقها التاريخي، مع الربط بين المفتاح والعنوان لفهم مكوناتها.
التفسـيــر:
ويقتضي توجيه المتعلمين إلى توظيف خلاصات التعريف لاكتشاف أفكار ضمنية غير معبر عنها ذات علاقة به. ويتطلب الأمر هنا:
البحث عن الأسباب التي جعلت الأحداث التاريخية في الخريطة تسير وفق ذلك النهج؛
تصنيف تلك الأسباب وترتيبها حسب الأهمية الزمنية والموضوعاتية )أسباب مباشرة، غير مباشرة/اقتصادية، سياسية، دينية...)؛
ربط العلاقات بين تلك الأسباب واستخلاص دلالة الأحداث التاريخية.
التـركيــب:
  • ويتطلب الربط بين مكونات الخريطة) عنوان، مفتاح، رموز...) وبين الأحداث ودلالاتها؛
  • تجميع المعطيات والأفكار التي تم التوصل إليها، من خلال التعريف والتفسير لبناء وحدة متماسكة حسب أحد المبادئ الآتية: المبدأ الكرونولوجي، أو السببي، أو الموضوعاتي؛
  • إصدار أحكام وخلاصات تبعا للعلاقات التي تم بناؤها بين مكونات الخريطة؛
  • البحث عن امتدادات تاريخية/تطورات لاحقة لموضوع الخريطة.

العوائق التي تحول دون استثمارها وبعض الحلول البديلة لها:

يمكن حصر هذه العوائق فيما يلي:
  • عدم توافق بعض الخرائط الموجودة في الكتاب المدرسي مع محتوى الدرس؛
  • عدم وضوح بعضها وملاءمته لمستوى المتعلمين؛
  • عدم مواكبة بعضها للتطورات والمستجدات الطارئة؛
ولتجاوز بعض هذه الإكراهات، لابد من:
  • تدريب المتعلم وتزويده بتقنيات قراءة ورسم الخريطة؛
  • الإعداد المسبق للخريطة لتحديد الأهداف المراد تحقيقها لدى المتعلمين، مع مراعاة مستواهم وظروف الاشتغال داخل الفصل؛
  • حثهم على الاهتمام بها وعلى ضرورة إتقانها باستغلالها في عملية التغذية الراجعة.
خلاصــــة:
من خلال ما سبق، يتضح أن التعبير في الخطاب التاريخي يعتمد على دعامات ديداكتيكية أهمها الخريطة التي تعد دعامة أساسية لدرس التاريخ، وتكتسي أهمية بالغة لدى المتعلم لأنها تنمي لديه مجموعة من الكفايات المنهجية والقدرات، و يقتضي توظيفها الديداكتيكي ضوابط وشروطا لاستثمارها بشكل جيد في درس التاريخ، إلا أن هذا الاستثمار تحول دونه بعض الإكراهات تستدعي التدخل لإيجاد الحلول البديلة لها.
تعليقات