📁 آخر الأخبار

موضوع حول تاريخ الذرة

تحتل الذرة حاليا أكثر من عشر إنتاجنا من المحاصيل، الولايات المتحدة الأمريكية وحدها لديها من حقول الذرة ما يعادل مساحة ألمانيا. وبينما تأتي المحاصيل المزروعة في مجموعة متنوعة من الأصناف، فإن أكثر من 99٪ من الذرة المزروعة هي من النوع الأصفر رقم 2 وهذا يعني أن البشر يزرعون الذرة الصفراء رقم 2 أكثر من أي نبات آخر على هذا الكوكب.
فكيف أصبح هذا الصنف الواحد من هذا النبات أكبر قصة نجاح في التاريخ الزراعي؟

 
 يرجع أصل الذرة إلى مايقرب من 9000 سنة، عندما استؤنس أول مرة من عشب التيوسنتي (TEOSINTE)، وهو العشب الأم في أمريكا الوسطى. كانت بذور تيوسنتي الصخرية الصلبة بالكاد صالحة للأكل، لكن قشرته الليفية يمكن أن تتحول إلى مادة متعددة الاستخدامات. على مدى 4700 سنة التالية أدخل المزارعون النبات في المحاصيل الغذائية الأساسية، مع كوز ذرة أكبر وحبات طعام صالحة للأكل. مع انتشار الذرة في جميع أنحاء الامريكيتين، اضطلعت الذرة بدور مهم في مجتمعات السكان الأصليين الذين يبجلون الذرة الأم حيث يعتقدون أن الآلهة هي التي خلقت الزراعة، وعندما وصل الأوروبيون لأول مرة إلى أمريكا، تجنبوا النبات الغريب، حتى أن الكثيرون اعتقدوا أنه كان مصدر الاختلافات المادية والثقافية بينهم وبين سكان أمريكا الوسطى. ولكن محاولاتهم لزراعة المحاصيل الأوروبية في التربة الأمريكية فشلت بسرعة، واضطر المستوطنون إلى توسيع نظامهم الغذائي. وعنما استساغوا مذاقها، عبرت المحيط الأطلسي بسرعة في اتجاه الشرق، وقد أدت قدرته على النمو في مناخات متعددة إلى جعله أكثر المزروعات شعبية في كثير من الدول الأوروبية، لكن الدولة الوليدة (الولايات المتحدة الأمريكية) كانت لاتزال عاصمة الذرة في العالم.
في أوائل القرن التاسع عشر، أنتجت مناطق مختلفة عبر الدولة سلالات متفاوتة الحجم والمذاق ولكن في العام 1850م، لكن هذه المنتوجات واجهت صعوبات كثيرة متعلقة أساسا في الشحن والنقل ثم البيع، هذا ما شجع مزارعي الذرة بالتفكير في زراعة منتوج واحد وقد تحقق ذلك في معرص العالم 1893م، حيث فازت الذرة الصفراء لجيمس ريد بالوسام الأزرق، وعلى مدى السنوات الخمسين اللاحقة، اجتاحت الذرة الصفراء الولايات المتحدة الأمريكية. عقب التطورات التكنولوجية بعد الحرب العالمية الثانية، أدخلت الحصادات الميكانيكية على نطاق واسع، الشيء الذي أعطى دفعة لوتيرة الانتاج إذ أصبح ما كان يستغرق يوما واحد من الحصاد باليد يحصد خلال خمس دقائق فقط. تقنية أخرى جاءت من أرض المعركة وهي المادة الكيميائية (نترات الأمونيوم المتفجرة)، استعملت في الرفع من المردودية. ومع هذه الأسمدة الاصطناعية الجديدة، تمكن المزارعون من زراعة الحقول الكثيفة من الذرة سنة بعد سنة، دون الحاجة إلى تدوير محاصيلهم لاستعادة النيتروجين إلى التربة. جعلت هذه التطورات الذرة محصول جذاب للمزارعين الأمريكيين، رغم أن السياسة الزراعية الأمريكية حددت الكمية لضمان أسعار البيع، ولكن في عام 1972، أزال الرئيس ريتشارد نيكسون هذه القيود أثناء التفاوض في مبيعات ضخمة للحبوب إلى الاتحاد السوفييتي. مع هذه الصفقة التجارية الجديدة وتكنولوجيا الحرب العالمية الثانية، أصبح إنتاج الذرة ظاهرة عالمية. جبال الذرة هذه ألهمت العديد من الوصفات التي تحوي الذرة. إذ يمكن لنشا الذرة أن تستخدم كمادة سميكة لكل شيء من البنزين إلى الغراء أو معالجتها في التحلية منخفضة التكلفة المعروفة باسم شراب الذرة عالي الفريكتوز، الذرة سرعان ما أصبحت واحدة من أرخص الأعلاف الحيوانية في كل العالم. فقد ساهمت في إنتاج اللحوم غير المكلفة. اليوم يأكل البشر 40٪ فقط من جميع الذرة المزروعة في العالم، في حين أن 60٪ المتبقية تدعم الصناعات الجيدة للمستهلك.
ومن جانب آخر فإن الكم الهائل من الإنتاج لم يخلو من عواقب فمصادر المياه العالمية ملوثة بنترات الأمونيوم الزائدة، كما أن إنتاج الذرة مسؤول عن جزء كبير من انبعاثات الكربون ذات الصلة بالزراعة جزئيا بسبب زيادة إنتاج اللحوم، ليس هذا فحسب بل إن استخذام شراب الذرة عالي الفركتوز قد يكون مساهما في مرض السكري والسمنة. وصعود الزراعة الأحادية قد ترك امتداداتنا الغذائية معرضة بشكل خطير للآفات ومسببات الأمراض، إذ أن فيروس واحد يمكن أن يصيب إنتاج العالم من هذا المحصول في كل مكان.
لقد تحولت الذرة من مجرد عشب كثيف لعنصر أساسي في صناعات العالم ولنا أن ننتظر الوقت وحده ليحدد لنا ما إذا كان ذلك قد قادنا في متاهة من عدم الاستدامة.
تعليقات