أخر الاخبار

الحضارة الفينيقية

 حوالي القرن العشرين قبل الميلاد بدأ بالاستقرار في المناطق الساحلية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط شعب صغير كان له شأن عظيم: إنهم الفينيقيون، الذين يلقبون أيضا ب "الرجال الحمر". منذ ذلك العصر ابتكروا وطوروا تدريجيا شكلا جديدا من أشكال الحضارة قائما على التوسع السلمي والمبادلات التجارية والصناعة والإبحار.

إنهم الذين ابتكروا أبجدياتنا الحديثة المؤلفة من اثنين وعشرين حرفا ويعد هذا الاكتشاف أكثر أهمية بالنسبة لذلك العصر، وينسب إليهم أيضا اختراع الزجاج واللون الأرجواني. تعتبر الهجرة الفينيقية من بين الهجرات البشرية التي انطلقت من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام، إذ استوطنوا السواحل السورية، وانتقل قسم منهم في هجرة ثانية إلى مناطق غرب البحر المتوسط، وأسسوا المستوطنات الحضارية، بعد أن تعايشوا مع المجتمعات المحلية، الأمر الذي أدى إلى نشوء فكر حضاري مشترك مهد الطريق لربط العناصر الثقافية بين المشرق والمغرب.

  • فما هو أصل الفينيقيين؟ وبماذا تميزت حضارتهم؟
  • وماهي أبرز العوامل التي ساعدتهم في بسط سيطرتهم على دول البحر الأبيض المتوسط؟
حوالي القرن العشرين قبل الميلاد بدأ بالاستقرار في المناطق الساحلية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط شعب صغير كان له شأن عظيم: إنهم الفينيقيون، الذين يلقبون أيضا ب "الرجال الحمر". منذ ذلك العصر ابتكروا وطوروا تدريجيا شكلا جديدا من أشكال الحضارة قائما على التوسع السلمي والمبادلات التجارية والصناعة والإبحار.
خريطة الانتشار الفينيقي في حوض البحر الأبيض المتوسط 

نبدة عن الفنيقيين

موطن الفنيقيين

تقابل فينيقيا معظم الإقليم الساحلي من سوريا الحالية، يحدها جنوبا جبل الكرمل، وشمالا خليج إسوس، ثم إقليم مدينة إرادوس، ويحدها من الشرق سلسلة جبال لبنان، ويحدها البحر من الغرب. وقد حدد وضع فينيقيا الجغرافي مصير سكانها، فلم يكن لأهل البلاد أن يطمعوا في العيش على الزراعة لأن السهول الحقيقية لا تمتد إلا في الشمال. ولهذا تعلق مصير فينيقية بجبهة البحر.

أصل الفنيقيين

حسب ما ورد في الكتابات والأبحاث التاريخية في موضوع الفينيقيين تؤكد بأنهم قبائل سامية، هاجرت من شبه الجزيرة العربية الى شواطئ البحر المتوسط خلال الالفية الثالثة قبل الميلاد، ويشير المؤرخ اليوناني هيرودوت بأن الفينيقيين من شواطئ الإريتري، بمعنى البحر الأحمر بجميع أطرافه الواسعة.

والفينيقيون فرع من الكنعانيون سكنوا شطوط البحر والأودية وأرض كنعان وسهولها، ومن المعروف ان الكنعانيون هو لفظ مركب وعام يعكس طبيعة الشعب والحضارة، وأن الفينيقيون لفظ جزئي من الحضارة الكنعانية، فأرض كنعان حسب التعبير في التوراة تضم كل من فلسطين وسوريا وما يجاورها من المناطق التي عرفت هجرات سامية.

أصل تسمية الفنيقيين

الفينيقيون أو فينيقيا هو الاسم الذي أطلقه قدماء الإغريق على الإقليم الذي تحتله الآن المناطق الساحلية من سوريا ولبنان وأرض كنعان، استنادا إلى المعطيات الأثرية الواردة في بعض النقوش والنصوص، لقد احتفظ الفينيقيون بإسمهم الأصلي الكنعانيون، حتى أوائل القرن الثاني قبل الميلاد، حيث أطلق الإغريق على الكنعانيين من سكان الساحل اللبناني وشمال فلسطين اسم الفينيقيين "Phoinikes" وتعني اللون الأرجواني نسبة إلى الشهرة التي عرف بها هذا البلد في صناعة الملابس الأرجوانية اللون، ووردت هذه التسمية عند الشاعر الإغريقي هوميروس حيث وصف الفينيقيين بالمهارة في ركوب البحر والصناعات اليدوية.

من ثم فسر العلماء إطلاق اليونانيين اسم " فينيقيا والفينيقيون" نظرا لاشتهار هذا الشعب بصناعة الأقمشة ذات اللون الأحمر الأرجواني، وكان الفينيقيون يقومون باستخلاص صباغة الأرجوان من قواقع الساحل السوري اللبناني.

مظاهر الحضارة الفنيقية

نشأة وتطور الحضارة الفينيقية

بدأت الحضارة الفينيقية في عام 1200 قبل الميلاد عن طريق مجموعة صغيرة من التجار الفينيقيين الذين قرروا توسيع شبكاتهم التجارية من الشرق للوصول إلى مدن ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث امتد نشاط الفينيقيين التجاري، والاستعماري في العديد من الدول المستقلة مثل لبنان، وجنوب سوريا، وشمال فلسطين.

وبدأ نشاطهم يمتد إلى الغرب، حيث بدأ الفينيقيون بتأسيس المستعمرات في قبرص، وصقلية، وسردينيا، وغيرهم من المدن الغربية، ومر تطور حضارتهم من ثلاث مراحل أساسية:

المرحلة الأولى: كان التجار الفينيقيون يمارسون نشاطهم التجاري في دول الساحل الشرقي فقط، وكان ذلك بسبب سيطرة المينويين على بحر إيجة، وكانوا يمنعون دخول الأشخاص لممارسة أي نشاط، وتحديدا الأنشطة التجارية. فكان التجار الفينيقيون يمارسون التجارة في سوريا، ولبنان، وشمال فلسطين، ومصر، وتركيا؛ بسبب منعهم من دخول العديد من المناطق؛

المرحلة الثانية: استولى الميسينيون على المينويين مما أدى إلى سقوطهم، وإنهاء سيطرتهم على بحر إيجة، حيث تم إلغاء القيود التي كانت موضوعة على البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة، مما ساعد الفينيقيين على استغلال الموقف، وتوسيع تجارتهم وامتدادهم قدر المستطاع؛

المرحلة الثالثة: استمر امتداد الفينيقيين، واستعمارهم للعديد من الدول مثل قرطاج، ومالطا، وسردينيا، وإسبانيا، حتى انتشرت الحضارة الفينيقية في مختلف دول العالم من الشرق إلى الغرب.

دويلات المدن الفينيقية

عرف عن الفينيقيين أنهم شعب يعيش في وحدات سياسية، مجزأة بفعل عوامل الطبيعة، فلكل مدينة كيانها السياسي، الذي حتم عليها في غالب الأحيان البقاء من أجل الاستمرار كمنظومة حضارية، والملاحظ أن الساحل الفينيقي عرف ظهور العديد من الممالك التي شكلت النواة السياسية لنظام المدينة الدولة (نظام دويلات المدن)، فكانت كل دولة من دويلات المدن تتألف من مدينة مع المناطق المجاورة وتسمى الدولة باسم تلك المدينة كما هو الحال مع دول ماري، وصور، ثم أوغاريت.

مدينة صور

تعد من أعظم المدن الفينيقية ومن أعرقها تأريخا وقدما، شهدت أعظم الأحداث التي جرت على أرض فينيقيا، ومن شاطئها انطلق الإله اليوناني قدموس ناشرا الحروف الأبجدية. عاشت مدينة صور في بداية الألف الأول قبل الميلاد وتمتعت بازدهار ورخاء اقتصادي، فلم تقتصر أساطيلها التجارية على نقل البضائع والمنتجات بين الموانئ المعروفة في البحر المتوسط، بل أسست مراكز تجارية لها في مناطق بعيدة، كما وصلت تجارتها إلى الشواطئ الغربية لأروبا.

كان لمدينة صور أدوار سياسية واقتصادية كبرى أبرزها ربط العلاقات الحضارية بين المدن المجاورة، وعن طبيعة النظام السياسي الذي كان سائدا بهذه المدينة نظام دويلات المدن، حيث كان لكل مدينة مكوناتها الخاضعة بها، وعلى رأسها حاكم بالوراثة، قد ينتقل الحكم منه إلى أسرة أخرى، وتنزع الإمارة وتسلب بشكل كبير، ولم يكن سلطان الأمير أو الحاكم أو الملك استبداديا مطلقا وهكذا انتظم الفينيقيون في جماعات صغيرة يرأس كل منها ملك يستقرون حول المدن المحصنة تحيط بها مناطق زراعية تابعة لها.

مدينة صيدا SIDON

تعتبر صيدا (صيدون) من المدن الفينيقية الهامة وأحد أهم ممالك المدن الفينيقية القديمة وقد عرفت باسم "صيدون" وهذا لكثرة صيد السمك في شواطئها، وأن مؤسسوها الأوائل عملوا كصيادي سمك، كما يذكر موسكاتى أن اسم صيدا استعمل للدلالة على الشعب الفينيقي ثم اقتصر على صيدا وحدها نظرا لسيادتها على المدن الفينيقية، والتي دامت قرابة ألف سنة لتحل محلها بعد ذلك صور.

يرجع تأسيس مدينة صيدا إلى حوالي 2800 سنة قبل الميلاد، وتحتل مدينة صيدا في الساحل مكانة كبيرة نظرا للدور الحضاري الذي جسدته على الصعيد الفينيقي المحلي أو الخارجي، فقد كان لها دورها البارز في اكتشاف الأبجدية ونقلها للعالم، كما نقلت الأبجدية لليونانيين.

وقد تداولت صيدا على رئاسة ممالك المدن الفينيقية على غرار مدينتي جبيل وصور ثم أرواد، وعرفت ازدهارا كبيرا أواخر الألف الثاني ق. م، حيث وصلت تجارتها شرقا حتى نهر دجلة ممتدة غربا إلى حدود شبه الجزيرة الإيبيرية (اسبانيا) والمحيط الأطلسي.

جزيرة أرواد (أرادوس)

تعتبر هذه الجزيرة في طليعة المواقع التاريخية الفينيقية الهامة التي تقابلنا إلى جنوب أوغاريت (رأس شمرا)، هذه المدينة قائمة على جزيرة صغيرة مجاورة للشاطئ، واشتهر سكانها بالقلاقل والثورات على من جاورهم، وعلى حكم الأجانب من المصريين والآشوريين و الفرس، وقد سيطرت ولايتهم على سكان السواحل والمناطق الداخلية للبلاد، وقد أشار "محمد بيومي مهران" على لسان الجغرافي "سترابون" أن سكان مدينة أرواد من سكان صيدا الذين بنوها وشيدوها، وأن أرواد قامت في شمال فينيقيا على إحدى الجزر وتقابلها على الشاطئ أرواد الداخلية، واشتهر سكانها بأنهم ملاحين مشهورين.

كان النظام السياسي في المدينة ملكيا - جمهوريا، كما في المدن الفينيقية الأخرى، وانتقلت السلطة بعدها من الملك إلى الحاكم الذي يعاونه مجلس يتألف من مئة عضو في محاولة لحماية الدولة من الاستبداد السلطوي المطلق.

مدينة جبيل

هي مدينة فينيقية تقع جغرافيا عند سفوح جبل لبنان على بعد 73 كلم شمال بيروت، حيث نشأت على رأس بحري يشرف على ميناءين، عرفت باسم جبيلفي حين اشتهرت بتسميتها القديمة بيبلوس Byblos ، وحسب "فراس السواح" أن مدينة جبيل ظهرت مع مطالع العصر الحجري الحديث وبقيت مسكونة مع العصر البرونزي.

عرفت جبيل ازدهارا كبيرا في الفترة ما بين 1200 - 725 ق.م، ففي تلك الحقبة وصلت سفن الفينيقيين إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط الغربية وشمال إفريقيا، كما استقدم النبي سليمان بنائين ومهندسين من جبيل، حيث توطدت العلاقة بين جبيل وممالك كنعان إلى أن أطلق اليونان على الممالك (جبيل – بيروت – صور) اسم فينيقيا التي شملت كل سكان شواطئ سوريا ولبنان ثم فلسطين.

الحياة الاقتصادية للحضارة الفينيقية

الفلاحة

تعد الزراعة من أهم وأول النشاطات التي مارسها الفينيقيون، فرغم أن الأراضي الصالحة للزراعة محدودة المساحة، حيث أكدت المصادر اهتمام الفينيقيون بالزراعة حتى خارج الساحل الفينيقي، فأينما حل الفينيقيون أو استقروا قاموا بالزراعة وهذا ما نستخلصه من خلال ما ذكره هيرودوت.

لقد استخدم المزارع الفينيقي وسائل وأدوات زراعية مختلفة، مثل المنجل التقليدي، والحيوانات في عملية الزراعة حيث تنوعت حسب المراحل المختلفة من الدورة الزراعية، وعملوا على زراعة أنواع متعددة من المحاصيل الزراعية، وأهمها القمح، والزيتون، والشعير، والعنب، والجوز، وأنواع أخرى متعددة من البقوليات.

الصناعة

كان للفينيقيين اهتمام كبير بصناعة الخزف، كغيرهم من شعوب الحضارات القديمة، نظرا لارتباطها بتلبية أغراض متعددة في الحياة اليومية، وزيادة على ذلك، بالنسبة للفينيقيين، كان اهتمامهم بحرفة صناعة الخزف مرتبط أساسا بنشاطهم التجاري، فهدفهم الرئيسي كان صنع ما يحتاجونه من أواني النقل وتخزين المواد التي كانوا يتاجرون بها، خاصة المواد الغذائية، كالزيوت، النبيذ، الحبوب، والسمك المجفف. اشتهر الفينيقيون بصناعة الأرجوان الذي كانوا يستخرجونه من الأصداف البحرية، وقاموا بتصديره إلى مختلف دول العالم. فأغلب الروايات تؤكد أن الفينيقيين كانوا السباقين لاكتشاف مصدر الصباغ الأرجواني، (رواية يوليوس بولوكس).

تعد صناعة الزجاج من أكثر الصناعات الحرفية التي ارتبطت بذكر الفينيقيين عبر التاريخ، فقد مارسوها على نطاق واسع، كما تاجروا بمختلف المنتوجات الزجاجية، وكانت مدينتي صور وصيدا من أهم مدن الساحل الفينيقي التي انتشرت فيها ورشات صناعة الزجاج.

تخصص الفينيقيون في مجال صناعة السفن، فقد عرفوا بين معاصريهم من آشوريين، عبرانيين، وإغريق ومصريين بمهارتهم في هذا المجال، فقد امتلكوا سفن استطاعوا السيطرة بها على الطرق التجارية في أرجاء البحر المتوسط لعدة قرون، فقد ارتبطت بناء السفن وتطورها بالتجارة البحرية وتوسعها.

الملاحة

مارس الفينيقيون التجارة البرية وخاصة البحرية على نطاق واسع فلا يكاد يذكر الفينيقيون وإلا كان يقصد بهم التجار البحريون، فصفتهم الغالبة أنهم مارسوا التجارة لكنهم تميزوا عن غيرهم من الشعوب السامية لاهتمامهم الواسع بالتجارة البحرية، وكان هذا نتيجة لظروف طبيعية وتاريخية، دفعت بالفينيقيين للتوجه إلى التجارة البحرية فأصبحوا رواد التجارة البحرية بين الشرق والغرب خلال فترة زمنية تجاوزت ثلاث قرون.

الحياة الثقافية والفنية لدى الفنيقيين

الكتابة الفنيقية

احتاج الفينيقيون لوسيلة لتسجيل ما يبيعونه وما يشترونه في سجلاتهم، فاخترعوا أول أبجدية عرفها العالم وتكونت من 22 حرفا مقتبسة من الكتابة المصرية القديمة، وقد أخذ الإغريق الأبجدية الفينيقية وعدلوا فيها وأورثوها للرومان، الذين نشروها في أوروبا ومنها خرجت الأبجدية الأوروبية الحديثة.

الأدب الفنيقي

كان الأدب الفينيقي غنيا، ولكنه كتب على ورق البردي أو على الجلود في مناخ رطب مثل: لبنان أو تونس (فيما يخص قرطاجة)، فلم يصل إلينا شيء منه، ماعدا اكتشافات مدينة أوغاريت 1929م الأدبية-الدينية التي تمثلت في الأساطير والملاحم، ومن أهم هذه الأساطير أسطورة "أقهات بن دانيال" التي تمثل حب الإنسان للبقاء والخلود بعد الموت، بالإضافة إلى أسطورة " كادت " التي تشرح بعض مظاهر مجتمع أوغاريت، وتسجل الأهداف التاريخية التي حصلت في المناطق المجاورة، ومن أهم الملاحم ملحمة " بعل " التي تشبه ملحمة "جلجامش" وتتحدثان عن عظمة الإنسان، ومحاربته للإله وحبه للبقاء والخلود بعد الموت.

العلوم لدى الفنيقيين

اهتم الفينيقيون بعلم الفلك من خلال علاقتهم بملاحتهم البحرية، فتوصلوا إلى اكتشاف النجم القطبي الدب الأصغر والذي سماه اليونانيون "النجم الفينيقي"، وتعرفوا على مبدأ المد والجزر خصوصا في المحيط الأطلسي، كما أن هم قسموا الأرض إلى خطوط طول وخطوط عرض لتحديد الأمكنة وتسهيل الانتقال، وكانوا بذلك أول من وضع ورسم خطوط الطول والعرض على الخرائط .

الحياة الاجتماعية

انقسم المجتمع الفينيقي إلى ثلاث طبقات: العائلة الملكية والنبلاء، المهنيين ثم الخدم والعبيد. بالنسبة للمرأة فقد كانت مساهما فعالا في بناء المجتمع وتنشيط الاقتصاد، فسندت إليها الوظائف الدينية، وكانت تتعاطى التجارة وبعض الحرف المنزلية كالحياكة وغزل الصوف، كما شاركت في الحروب وتقلدت الحكم مثل الملكة "إليسار" ملكة قرطاجة التي عرفت باسم "عليسة" وهي ابنة الملك صور "ميتينوس".

الحياة الدينية

لم يكن الفينيقيون يؤمنون بالحياة الثانية، إنما كانوا يعتقدون أن الروح لا تفنى بعد الممات، إنما تستقر في حالة سكون وهدوء، قريبة من الجسد "أي من صاحبها"، بمعنى الروح تخرج من الجسد لكنها لا تقطع علاقتها به إنما تبقى بجواره.

بعض الالهة التي كانوا يعبدونها الفينيقيين:

بعل: رب النماء؛ ادونيس: إله الخصوبة؛ إيل: كبير الالهة؛ الداجون: إله المطر؛ موت: إله الموت؛ أشمون: إله الشفاء؛ عشتروت: ألهة الحب والجمال.

المستوطنات الفينيقية

عوامل التوسع الفينيقي في البحر المتوسط

الحديث عن الفينيقيين وتوسعاتهم الاستيطانية في مختلف أرجاء المتوسط يأتي في ظل إطار عوامل داخلية وظروف خارجية، كان لها أثرها الواضح في مسيرة الاستيطان والتوسع، والتي يمكن أن نوجزها في تفاعل العوامل الطبيعية والبشرية.

قبل الحديث عن المستوطنات الفينيقية التي تحولت فيما بعد إلى مستعمرات، لابد من معرفة العوامل التي ساعدت الفينيقيين على التوسع في تلك المناطق، إذ هناك عوامل رئيسية دفعتهم على التوسع:

العامل السياسي

شهدت المدن الفينيقية تطورا اقتصاديا وازدهارا حضاريا كبيرا جعلها محط أنظار العديد من الشعوب المجاورة، حيث أصبحت بؤرة توتر وصراعات داخلية وخارجية للسيطرة عليها كما حدث انشقاق وصراع داخلي بين المدن الفينيقية فيما بينها، وكان ذلك بسبب توافد شعوب جديدة عليها في الألف الثانية قبل الميلاد عرفت بشعوب البحر كان لها الأثر الواضح في تردي الأوضاع الاقتصادية وتزايد عدد السكان وظهور الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة مما دفع الفينيقيين للبحث عن تأسيس المستعمرات وتكوين المدن البعيدة، حيث يصبح للنازحين منهم ارضا ومجتمعا جديدا.

العامل الاقتصادي

لا يمكن دراسة أسباب الهجرة والانتشار الفينيقي بمعزل عن الدوافع الاقتصادية التي حركت كثيرا من الشعوب عبر التاريخ للهجرة والاستيطان.  إن البحث عن الحياة الأفضل والثراء واكتشاف مجاهل الأرض كلها دوافع تدفع نحو المغامرة والترحال عبر البحار لذلك اتجه الفينيقيون نحو البحر نظرا لضيق الشريط الساحلي المحدود الموارد، كما أن توفر الأخشاب الجيدة الصالحة لبناء السفن، شجع البحارة الفينيقيين على ركوب البحر والمغامرة، ويبقى لموقع فينيقيا الطبيعي دورا بارزا في الدفع نحو الهجرة والترحال والبحث عن الموارد الأولية في المستوطنات الجديدة وتصريف فائض الإنتاج فيها.

التوسع الفينيقي في غربي المتوسط

تعد دراسة التوسع الفينيقي من بين الدراسات الهامة في تاريخ حوض المتوسط، ذلك لأنها تمثل مجهودا بشريا قام به هؤلاء الأقوام الذين استطاعوا بواسطة الملاحة البحرية أن يربطوا بين أجزاء مختلفة من العالم القديم، وقد مر التوسع الفينيقي في الحوض المتوسطي بمرحلتين:

مرحلة الارتياد الباكرة

يمكن أن نعيد مرحلة ارتياد الفينيقيين الباكرة لغربي البحر الأبيض المتوسط وبلاد المغرب إلى فترة ازدهار المدن الفينيقية على الساحل السوري والتي بدأت منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وكان الفينيقيون خلال رحلاتهم الاستكشافية الأولى عبارة عن تجار متنقلين يبحرون وراء الأرباح.

مرحلة الاستيطان

تعتبر فترة الاستيطان الفينيقي في غربي البحر الأبيض المتوسط مكملة لمرحلة الارتياد الباكرة، وليس هناك تاريخ محدد قائم بذاته نستطيع أن نفصل به بين المرحلتين، وإنما يحتمل بأن المحطات الهامة والمراكز التجارية التي كانت قد أسست في مرحلة الارتياد الباكرة في كل شطري الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط الشمالي والجنوبي، وهي نفسها قد تحولت إلى مستوطنات حينما اكتملت لها الشروط الملائمة لذلك.

المستوطنات الفينيقية

بعد الإشارة إلى مرحلتي الارتياد والاستيطان الباكرتين، وشرح العوامل الاقتصادية والسياسية التي دفعت الفينيقيين إلى الهجرة والاستيطان في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، سوف نتكلم عن المستوطنات الفينيقية الهامة في تلك المنطقة بجزئها الشمالي والجنوبي.

المستوطنات في شمال الحوض الغربي للمتوسط

تعد مستوطنة قادس في شبه جزيرة إيبيريا من بين المستوطنات الفينيقية الباكرة في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، وقد أسسها التجار الفينيقيون لأغراض اقتصادية والحصول على خامات المعادن كالفضة والقصدير، والنحاس واستبدالها بالمواد المصنعة التي كانوا يجلبونها من شرقي البحر الأبيض المتوسط. كانت جزيرة صقلية في طليعة المواقع الاستراتيجية التي لفتت انتباه الشعوب الشرقية، فتدفق إليها التجار الفينيقيون والإغريق في هجرات متتالية، واستقروا على كامل سواحلها الشرقية والغربية.

من المحتمل أن يكون التجار الفينيقيون قد نزلوا بجزر الباليار خلال رحلاتهم الباكرة في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، ولكن استيطانهم الحقيقي بجزيرة إيبيزا IBIZA يعود إلى حوالي سنة 654 قبل الميلاد. أما جزيرة مالطة فقد تم التوسع فيها هي الأخرى في الوقت الذي كانت فيه السفن الفينيقية تجوب وتكتشف خفايا المتوسط وربما تم اختيارها وتأسيس مستوطنات بها لموقعها الاستراتيجي لأنها كانت تتوسط الطريق الرابط بين ضفتي المتوسط عند مدخل قناة صقيلية.

أما الاستيطان في جزيرة سردينيا كان بسبب موقعها الاستراتيجي فهي تقع جنوب القارة الأوروبية تصل الشمال بالجنوب والشرق بالغرب كما أنها غنية بالموارد الطبيعية والأراضي الزراعية الجيدة التي تستمد منها فينيقيا منتجاتها الفلاحية.

المستوطنات في شمال إفريقيا

كانت مدينة ليكسوس LIXUS من أبرز المستوطنات الفينيقية القديمة التي أسست على سواحل المحيط الأطلسي، وقد تم تأسيسها على يد البحارة الفينيقيين الذين قدموا من شرقي المتوسط، وكان الغرض الذي أسست من أجله ليكسوس استراتيجيا وتجاريا، ذلك لأنها كانت تعتبر مع قادش بمثابة المفاتيح على المحيط الأطلسي.

أما "عوتيقة" بمعنى القديمة تمييزا لها عن قرطاجة بمعنى الحديثة، تعد أقدم مستعمرة فينيقية في الشمال الإفريقي، وقد أسسها الصوريون حوالي عام 1100 قبل الميلاد.

كما أسسوا هيبو Gippo بنزرت، الحالية في تونس، وكان لها مرفأ عظيم في بحيرة بنزرت وكانت مقرا ملكيا، ولذا أعطيت لقب

Regius، وكلمة 'هيبو' كلمة ليبية. إضافة إلى مستوطنة ايكوزيوم (الجزائر العاصمة حاليا)، وقد عرفت بهذا الاسم في العهد الروماني، وهناك من يرى أن هرقل هو أول من قام بتأسيس هذه المستوطنة ليواصل سيره إلى الغرب تاركا فيها قرابة عشرون فردا وهم من أسسوا المدينة.

خلاصة

كان للفينيقيين أدوارا حضارية في عدة مناطق في العالم، هذا نتيجة تحركاتهم البحرية والبرية، كما أقاموا جسرا حضاريا بين حوضي البحر الأبيض المتوسط الشرقي والغربي مستفيدين في أواخر الألف الثانية قبل الميلاد من ظروف عسكرية طبيعية وتقنية، منها تطور تقنيات بناء السفن. وقد أسس الفينيقيون عدة مستوطنات في شرقي وغربي المتوسط ومن خلال ذلك ظهرت تأثيرات متبادلة بينهم وبين السكان الأصليين في المجال الاقتصادي والاجتماعي والديني.

المصادر والمراجع

  • جان مازيل، تاريخ الحضارة الفينيقية الكنعانية، ترجمة ربا الخش، دار الحوار للنشر والتوزيع، لبنان، الطبعة الأولى 1998؛
  • جورج كونتنو، الحضارة الفينيقية، ترجمة محمد عبد الهاد شعيرة، مركز كتب الشرق الأوسط؛
  • محمد بهجت قبيسي، "الكنعانيون والآراميون العرب الإمبراطورية الرومانية من ق 1ق. م حتى ق 3ميلادي" ، دار شمال – دار طلاس، 2009؛
  • فيصل إحميم، عبد الكريم شكمبو، النشاط الاقتصادي في المدن الفينيقية "مدينة صور نموذجا"؛
  • سباتينو موسكاتي، الحضارة الفينيقية، ترجمة نهاد خياط، دمشق، العربي للطباعة والنشر والتوزيع 1988؛
  • مهران محمد بيومي، المدن الكبرى "مصر والشرق الأدنى القديم", دار المعرفة الجامعية، ج 2 الإسكندرية، مصر، 1999؛
  • حاطوم، نبيه عاقل، طربين، صلاح مدني، موجز تاريخ الحضارة، ج 1 , مطبعة جامعة دمشق، 1965؛
  • عرب معن، صور حاضرة فينيقيا، بيروت، دار صادر, 1996؛
  • غانم محمد الصغير، التوسع الفينيقي في غربي البحر المتوسط، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، لبنان، الطبعة الثانية 1976.

تعليقات